مطرقة فرنسا وسندان الإيكواس.. غموض يلف الساحل الإفريقي

دخل قرار انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” حيز التنفيذ اليوم الأربعاء، بعد مرور عام على إعلانه.
وقالت “إيكواس”، في بيان لها اليوم الأربعاء، إن أبوابها تظل مفتوحة إذا قررت أيا من الدول الثلاث العودة للجماعة، وأن دول المجموعة ستظل ملتزمة بالتعامل مع السلع والخدمات القادمة من الدول الثلاث وفقًا لأنظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
يأتي هذا القرار في سياق توترات متزايدة بين الدول الثلاث والمنظمة الإقليمية، حيث تتهم حكومات باماكو ونيامي وواجادوجو “إيكواس” بالارتهان للمصالح الفرنسية والتدخل في شؤونها الداخلية.
خلفية الأزمة
شهدت مالي والنيجر وبوركينا فاسو انقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى توتر علاقاتها مع “إيكواس”، التي فرضت عقوبات اقتصادية وسياسية لمحاولة إعادة الحكم المدني.
واعتبرت هذه الدول أن العقوبات لم تكن تهدف إلا إلى خدمة المصالح الغربية، خاصة فرنسا، التي لعبت دورًا رئيسيًا في سياسات المنطقة لعقود.
دوافع الانسحاب وتشكيل “التحالف” الثلاثي
- اتهام “إيكواس” بالارتهان لفرنسا:
تتهم مالي والنيجر وبوركينا فاسو المجموعة بأنها تعمل تحت تأثير باريس، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والسياسات الاقتصادية.
- رفض العقوبات:
تعتبر هذه الدول أن “إيكواس” لم تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الأمنية والسياسية المعقدة التي دفعتها إلى التغيير العسكري.
- البحث عن بدائل إقليمية:
بعد الانسحاب، أعلنت الدول الثلاث تشكيل تكتل إقليمي جديد باسم “تحالف دول الساحل”، يسعى إلى التعاون الأمني والاقتصادي بمعزل عن النفوذ الفرنسي.
التداعيات المحتملة لانسحاب الثلاثي من الإيكواس
اقتصاديًا: تعتمد دول غرب إفريقيا على التكامل الاقتصادي في “إيكواس”، ما قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية بسبب القيود التجارية وانخفاض الاستثمارات الإقليمية.
أمنيًا: تواجه المنطقة تهديدات إرهابية متزايدة، وقد يؤثر الانسحاب على تنسيق الجهود لمكافحة الجماعات المسلحة.
سياسيًا: يعزز القرار الاستقطاب في غرب إفريقيا، حيث يتزايد النفوذ الروسي والصيني على حساب القوى التقليدية مثل فرنسا والولايات المتحدة.
وكان رئيس مفوضية “إيكواس” عمر توراي أكد أن أبواب المنظمة ستبقى مفتوحة، داعيًا ممثلي الدول الثلاث إلى اجتماع إجرائي لبحث تداعيات الانسحاب.
في المقابل، رحبت بعض القوى الإقليمية، مثل غينيا، بالخطوة، معتبرة أنها تعكس رغبة الدول الثلاث في تقرير مصيرها بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
إعادة رسم خارطة النفوذ
وفي هذا الصدد، يرى الباحث في الشأن الإفريقي ربيع أبو زامل، في انسحاب البلدان الثلاثة من الإيكواس مؤشرًا لانهيار دور المجموعة الإقليمية أو على الأقل تصدعها، بما قد يعكس تحولات جذرية في المشهد الجيوسياسي لغرب إفريقيا.
وفي تصريحات خاصة لموقع “اليوم”، قال أبو زامل إن تحالف دول الساحل، الذي يضم حاليًا مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ليس مجرد تحرك إقليمي، بل هو تعبير صريح عن رفض الوصاية الفرنسية وسعي هذه الدول لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة.
يعتقد الباحث السياسي أنه إذا نجح هذا التحالف في تحقيق استقلالية سياسية واقتصادية حقيقية، فقد يكون بداية مرحلة جديدة تتسم بتوازنات مختلفة، تنهي عقودًا من الهيمنة الفرنسية وتفتح المجال أمام شراكات بديلة أكثر تنوعًا واستقلالية.
مع ذلك، شدد أبو زامل على أن نجاح هذا المشروع سيعتمد على قدرة التحالف الثلاثي الجديد على الصمود أمام الضغوط الخارجية، وتقديم نموذج فعال للحكم والتنمية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بغرب إفريقيا.
اقرأ أيضًا:: فرنسا تغادر ساحل العاج.. بداية عصر جديد للقارة السمراء